د. أحمد القديدي
فرحة شعبية عارمة ليلة الأربعاء شملت غزة البطلة والضفة الغربية وعديد المدن العربية وكثيرا من ساحات المدن العالمية على إثر إعلان توقيع اتفاق وقف إطلاق النار وتبادل الأسرى بين منظمة المقاومة الإسلامية حماس ومعها كل فصائل تحرير فلسطين من جهة ودولة الاحتلال من الجهة الثانية وأعلن معالي الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني رئيس مجلس الوزراء وزير الخارجية أن الاتفاق سيدخل يوم الأحد قيد التنفيذ الكامل كما أعلن معاليه أن جهود القاطرة القطرية وواشنطن والقاهرة هي التي كسبت معركة السلام وهذا النصر ما كان ليتحقق لولا صمود المقاومة الإسلامية في الدفاع عن قضية شعبها والمرونة السياسية التي تحلى بها الجانب الفلسطيني ليرفع تحدي السلام. ولعل أحسن إيجاز لمشاعر الجميع هو الذي قاله معاليه في رسالة معبرة وجهها عبر تغريدة على منصة (إكس) باسمنا جميعا الى حضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد رعاه الله حيث قال معاليه: «الحمد لله على التمام ونسأله الثبات والتوفيق جزاك الله عنا خيرًا سيدي صاحب السمو مسحت دموع أهلنا في غزة. نسأل الله أن يرفع راية بلادي دائمًا نصيرًا للمظلوم وداعمًا للحق وأن يكون هذا الاتفاق خطوة نحو السلام والاستقرار».
* انتهى كلام معالي الشيخ أما نحن العرب والمسلمين فنشارك الفلسطينيين فرحتهم ونترحم على شهدائهم الأبرار الذين بلغ عددهم منذ الطوفان الى يومنا 47 ألفا من بينهم 17 ألف طفل وعديد النساء والمسنين والمرضى الذين قصف الاحتلال مستشفياتهم وصرح أول أمس وزير الخارجية الأمريكي (بلينكن) بأن «تجربتنا كوسطاء علمتنا أن تحقيق السلام لن يتم بالوسائل العسكرية بل بالمفاوضات وقبول جميع الأطراف بدفع تنازلات حتى تخرج أزمة الشرق الأوسط من عنق الزجاجة» كما رحب بالاتفاق كل من شارك الدوحة وساطتها الخيرة وهي المتمسكة بثوابت الحوار مع جميع الأطراف والمصرة على استعادة حقوق الشعب الفلسطيني في تحرير أرضه وتأسيس دولته.
لكن يجب استخلاص الحقائق بعد توقيع الاتفاق التاريخي وأهمها أن الشعب الفلسطيني انتصر دون رفع الراية البيضاء وأن حركة حماس الإسلامية حققت جميع مطالبها بدءا من انسحاب جيش المحتل من كل قطاع غزة وعودة اللاجئين الى ديارهم وتعويض الذين دمرت منازلهم لإعادة بنائها ثم الحصول على إطلاق سراح حوالي 1500 أسير فلسطيني على مراحل وتسليم أسرى الإسرائيليين على نفس المراحل والاتفاق على إدخال 200 شاحنة من الإعانات يوميا الى القطاع وأولوية عودة المرضى والكوادر الطبية الى المستشفيات التي تم قصفها من قبل طائرات المحتل بدون سبب.
سجل الدبلوماسيون في العالم كله فشل (ناتنياهو) الكامل في تحقيق «انتصاره» بالقوة على حماس وتحرير الرهائن بقوة الجيش وقصف القطاع وهو بعد الاتفاق سيواجه محاكمته في قضاء بلاده ويواجه غضب جماهير الإسرائيليين المتظاهرين في ساحات المدن منادية برحيله.
تلقى صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني اتصالا هاتفيا من الرئيس المتخلي (بايدن) الذي قــدم الشكر لصاحب السمو وأشاد بجهود الوساطة القطرية في إنجاح المفاوضات بين إسرائيل وحركة المقاومة الإسلامية حماس كما استقبل سموه وفدا من حماس برئاسة الدكتور خليل الحية لاستعراض آخر المستجدات في قطاع غـزة الهادفة إلى تحقيق هدنة طويلة مجددا التذكير بموقف قطر الثابت من عدالة قضية فلسطين وإيمانها الراسخ بضرورة الاعتراف الدولي بحل الدولتين وتأسيس دولة فلسطين ذات السيادة وعاصمتها القدس الشرقية. واستقبل سموه الـسـيـد (سـتـيـف ويــتــكــوف) مــبــعــوث الــرئــيــس الأمــريــكــي المـنـتـخـب (دونـالـد تـرامـب) إلـى الـشـرق الأوسـط والـسـيـد (بـريـت مــاكــغــورك) مـنـسـق شــؤون الـشـرق الأوســط وشـمـال أفريقيا فـي مجلس الأمـن القومي الأمريكي وجرى خلال المقابلة استعراض تـــطـــورات الأوضــــــاع فـــي قــطــاع غـــزة والأراضـــــي الفلسطينية المحتلة.
* اليوم ونحن على مسافة خمسة عشر شهرا من الطوفان وبداية حرب الإبادة التي شنها (ناتنياهو) على قطاع غزة وأطلق طائراته لقصف كامل غزة بمواطنيها الأبرياء واستشهاد الآلاف منهم نعتقد أن «نصحاء السوء» الذين طالما اعتبروا يوم السابع من أكتوبر 2023 مغامرة «طائشة» أدت الى المذابح وأنها عملية معزولة مثلما كان يعتقد محمود عباس وعديد النصحاء الذين ثبت خطأهم لأن دفع الآلاف من الشهداء ثمنا لتحرير الوطن هو الخيار الحق كما فعلت شعوب فيتنام والجزائر وسوريا التي تحررت من قبضة متوحش قاتل شعبه ثم إن تاريخ الاستيطان الإسرائيلي في فلسطين يؤكد أن ياسر عرفات حين وقع في حديقة البيت الأبيض معاهدة «سلام» كان هو وشعبه يضعان ثقتهم في حل سلمي على مراحل وفي نزاهة الراعي الأمريكي ثم تبخر حلم السلام وظهر بالمكشوف أنها كانت خديعة كبرى وأن العرب هم المخدوعون فلم يبق بعد نصف قرن من تلاعب المحتل بفلسطين وتوسيع الاستيطان والسعي الى جعل تأسيس دولة فلسطينية مستحيلا. فجاء الطوفان يفرض حقيقة جديدة مفادها أن فلسطين حية لن تموت وأن إرادة شعبها صلبة وأن الله سبحانه يحق الحق ويزهق الباطل. تلك سننه تعالى ولن تتغير!
صحيفة الشرق القطرية