من الرئاسة للإفتاء: الحوار وفق الدستور فقط _


أحمد الأيوبي

سقطت محاولة الرئيس نبيه بري الحوارية الانقلابية التي أطلقها في ذكرى تغييب الإمام موسى الصدر وكأنّها لم تكن، تمامًا كما يعتبر "الثنائي الشيعي" قرار الحكومة بحصرية السلاح بالأجهزة الشرعية، كأنّه لم يكن، لأنّ إحياء الحوار كمؤسسة خارج المؤسسات الدستورية لم يعد واردًا عند أحد، ولم يعد باستطاعة الثنائي إكراه القوى السياسية على الجلوس في موائد حوار تفوح منها رائحة تمزيق الدستور وأكل لحوم الخصوم وهم جلوسٌ ينظرون.

صدر قرار مجلس الوزراء في الخامس من أيلول الحالي ليؤكِّد قرار جلسة 5 آب 2025 وأنّه لا رجعة ولا تراجع عن حصرية السلاح ورفع الشرعية عن "حزب الله" وسلاحه ومنعه من استعماله وتحريكه في الداخل تحت طائلة الملاحقة والمصادرة، وهذا ما لا يريد مسؤولو "الحزب" مصارحة جمهورهم به، لكنّ الواقع هو أنّ عناصر "الحزب" باتوا يتحرّكون مثل المهربين عند التنقل بالأسلحة والذخائر، وباتوا مضطرين لتقليل حركتهم إلى حدود كبيرة، وهذا بحدّ ذاته تحوّل عميق وانقلاب في حالة "الحزب" من الحكم والأمر إلى العودة للحجم الطبيعي في مجلس الوزراء.

كان لافتًا في الإعلان السني الكبير من دارة النائب فيصل كرامي عن تأييد الدولة في خطواتها لحصر السلاح وإنفاذ القانون، كلام مفتي الجمهورية الشيخ عبد اللطيف دريان عن "الحوار"، وهو ما حمله إعلام "حزب الله" ليقرقع بمعزوفة حوار لم يأتِ يومًا بخير للبلد، والواقع أنّ المفتي دريان لم يكن بحاجة إلى طرح هذا الموضوع، حتى لا يحتاج إلى تفسير، وحتى لا يثير حفيظة العرب واللبنانيين، في مقاربة مسألةٍ باتت رمزًا للانقلاب على المؤسسات الدستورية.

ماذا قال المفتي دريان؟

جاء في كلمة مفتي الجمهورية: "أما السلاح، فهذا الموضوع الخلافي اليوم أكرر ما قاله كرامي، وأقول أي موضوع خلافي يجب أن يحل ضمن المؤسسات الدستورية بالحوار وبتغليب مصلحة لبنان على غيرها من المصالح سواء كانت حزيبة أو شخصية، لأن مصلحة اللبنانيين هي المقدمة على كل أمر. تعالوا لنتحاور جميعًا حول هذا الأمر، هل يفيد التمسك بالسلاح؟ أم أن التمسك فيه قد يضر بمصلحة لبنان واللبنانيين؟ هذا موضوع للنقاش للحوار".

كانت قناة المنار قد قرّرت مقاطعة الحفل التكريمي للمفتي دريان، لكن وبشكل مفاجئ سارعت إلى إرسال مندوبها، وبادرت إلى تضخيم ما قاله دريان حول "الحوار" في محاولة لإطلاق موجة جدل جديدة لعل تغييراً يكون قد حدث، والحقيقة أنّ ما قصده مفتي الجمهورية هو ضرورة الحوار ضمن المؤسسات الدستورية، أي مجلس الوزراء مجتمعًا، حيث السلطة التنفيذية، ومجلس النواب منعقدًا، حيث السلطة التشريعية، وهما تشهدان حوارات متواصلة، أمّا إرساء مؤسسة باسم الحوار، خارج الحدود الدستورية، فهذه بدعة تهدف فقط إلى نسف الدستور وفرض أمر واقع مبني على معادلة أن يأكل الفاجر حقّ التاجر.

يتحدّث من قابل الرئيس بري بعد "ترحيب" الحكومة بخطة قائد الجيش العماد رودولف هيكل، بأنّها المرة الأولى التي ينام فيها منذ ثلاث سنوات... وأنّه مطمئن إلى مجريات الأمور وأنّ أمام لبنان فترة استقرار ثمينة يجب اغتنامها، بينما بدأت تتسرّب تحضيرات لجولة حوار بتقنيات جديدة تتجاوز الطاولة التقليدية، بذريعة تخطي أسباب فشل الحوارات السابقة بعد تقييم ودراسة عوامل الفشل، ثم يبدأ الرئيس جوزاف عون بسلسلة حوارات منفردة مع كلّ حزب على انفراد، ويكلّف فريق عمل يتولى وضع صياغات تتضمن الهواجس والضمانات، بما في ذلك البحث في الصيغة الدستورية القائمة، مع طرح كل القضايا، ثم يدعو إلى جلسة واحدة جامعة.

يتوازى هذا مع الحديث عن تشكيل لجنة رئاسية لصياغة ما يسمى استراتيجية أمن قومي أو وطني، وهذا توجّه يستهلك الجهد والوقت من دون نتائج ذات جدوى، لأنّ النوايا الرئاسية وحدها لا تكفي، فجميع القوى السياسية هي حليفة للعهد والحكومة، باستثناء "الثنائي الشيعي"، والأغلبية النيابية والوزارية تريد الاحتكام للمؤسسات الدستورية، فلماذا البحث خارج الإطار المنتِج سياسيًا وأمنيًا، خاصة بعد التجربة الفاشلة مع "الحزب" منذ بداية العهد حتى اليوم.

يحتاج العهد رئاسة وحكومة ورئيس وزراء، إلى إعمال الإصلاح في دوائر الدولة في فسحة الهدوء المتاحة، وإلى تحرير العدالة ومنع الاعتداء عليها من قبل بقايا الدولة الساقطة التي تريد إبقاء المظالم قائمة، وهذا يستهلك من رصيد العهد الذي يحظى بثقة الشعب، ولا تزال الحماسة له قائمة، بانتظار تحويل خطاب القسم إلى وقائع مكلّلة بالعدل والإنماء.

صحيفة نداء الوطن
من الرئاسة للإفتاء: الحوار وفق الدستور فقط _أحمد الأيوبي