ماذا يعني تصنيف الإخوان جماعة إرهابية في أمريكا؟! _ سليم عزوز


سليم عزوز 

ليس للمهزوم من دية، فقط عليه أن يسلّم بالطلبات، كما ليس لقتيل الحرب أن يهب واقفا ويحتجّ على التمثيل بجثمانه الطاهر!

والإخوان جماعة هُزمت في المعركة، والقيادات في السجون، ومن في الداخل استكانوا لعل الله يُحدث بعد ذلك أمرا، أما من هم في الخارج فهم يديرون الهزيمة، ولا يفكرون في الخروج منها، وقد انقسمت الجماعة إلى جماعتين، وربما ثلاث، فإن هذا يحدّ من التفكير خارج الصندوق، خوفا من المزايدات، فضلا عن أن القوم جميعا كان الأليق بهم جماعة الدعوة والتبليغ؛ يدعون الناس للصلاة، ويخرجون في سبيل الله، ولا يشغلون أنفسهم بأكثر من هذا، "عليكم أنفسكم لا يضركم من ضلّ إذا اهتديتم"!

والحال كذلك، إذا بالتقارير تأتي من الولايات المتحدة الأمريكية، تؤكد نية ترامب وضع جماعة الإخوان المسلمين على قوائم الإرهاب، الأمر الذي لم يفعله في ولايته الأولى، عندما كانت الجماعة حاضرة في الخطاب الإعلامي لدول في الإقليم والحرب معهم مفتوحة، وهناك من يخشون بوائقهم، الأمر الذي يأتي الآن، فلا يجعلنا نستبعد أن التاجر فيه تحرّك، وأنه يستهدف بيع هذا الإجراء لدغدغة مشاعر الحلفاء، وكل شيء بثمنه: "فإذا أفلس التاجر فتّش في دفاتره القديمة"!

مصر وأزمة التمويل:
التاجر دونالد ترامب يتصرف مثل هؤلاء، بهذه التسريبات الخاصة بتفكيره في وضع الإخوان على قوائم الإرهاب، وهو هنا سيدخل على "بيزنس القوم"، وقد لا يبقى فائض يذهب إليهم، وقد تسأل: وما مناسبة هذا الاتجاه الآن؟ لتقف على أنه لا مناسبة غير أنه "البيزنس" لا السياسة
في مصر، يمكن للمراقب هذه الأيام أن يستشعر أن جديدا طرأ، فأبواق إعلامية ونحو ذلك عادت لتفتعل تهديدا إخوانيا، عن تمويلات عابرة للقارات وحضور قوي في عواصم غربية، ولضخامة الحملة يشعر المرء كما لو كانت عقارب الساعة عادت للوراء، وأننا في مرحلة 2015 وما قبلها، ذلك بأن النظرة الموضوعية للأمور تؤكد أن الإخوان طووا صفحة الشرعية بعد هذا العام، ولم يعودوا جزءا من شيء في الداخل المصري. وربما وصل الحال بمن يتهيبون من قوتهم في الإقليم إلى أن هذا العام سيشهد وقف التمويل لمواقع ومنابر إعلامية كانت تُستخدم في حملة الإبادة ضد الإخوان، وقد يتعرض بعضها لخفض التمويل، فكانت الحملة الجديدة التي تذكّر الممول بقوة الجماعة، وكيف أن عملياتها المالية عابرة للعالم. وفي كثير من الأحيان بدأت أشك في قدرات الأجهزة المختصة بدراسة الحالة، فوقعت ضحية لهؤلاء الذين ينتحلون صفة الخبراء في شؤون الجماعات الدينية الذين يضخمون قوتها وينفخون فيها، والغرض مرض!

ومع تقليص التمويل لبعض المنابر وتوقفها لمنابر أخرى، ومع نفض الأيدي من البعض تماما، كان لا بد من إحياء الخطر الإخواني، فتمويلات ستتوقف، وشخصيات ستفقد مبرر وجودها، ومنابر إعلامية قد يكون عليها إدارة "الشح المطاع"، وعليه عدنا إلى أجواء ما قبل سنة 2015. ولم تتوقف الحملة على الإخوان، لكنها تخفت أحيانا، ولا بد من لفت انتباه أهل الدثور لخطر الجماعة من جديد، وهم الذين صار بينهم وبين الإخوان ثأر بايت!

والتاجر دونالد ترامب يتصرف مثل هؤلاء، بهذه التسريبات الخاصة بتفكيره في وضع الإخوان على قوائم الإرهاب، وهو هنا سيدخل على "بيزنس القوم"، وقد لا يبقى فائض يذهب إليهم، وقد تسأل: وما مناسبة هذا الاتجاه الآن؟ لتقف على أنه لا مناسبة غير أنه "البيزنس" لا السياسة!

الخطر الإخواني:

الحضور الإخواني في أمريكا لا يهدد الدولة الأمريكية، وفي الحسابات الأمريكية الخارجية فإن الإخوان لم يكونوا مناهضين لها، إلا فيما يتعلق بالوجود الإسرائيلي في المنطقة، ومن العراق إلى أفغانستان كان الإخوان حلفاء لا مقاومين للغزاة، ومع الربيع العربي، لم يكن لدى الولايات المتحدة الأمريكية فيتو على تصدر الإخوان للمشهد، ومن مصر لليمن لتونس، وفي مصر اعتُبر الموقف الأمريكي الراغب في إجراء الانتخابات سريعا محاولة أمريكية لتمكين الإخوان من الحكم، باعتبارهم الأكثر جاهزية من القوى المدنية!

كانت هناك نصائح تم الالتفاف عليها، مثل أن تُدار الانتخابات البرلمانية على قاعدة: "مشاركة لا مغالبة"، والاستعانة بشخصيات بعينها في مركز اتخاذ القرار في مؤسسة الرئاسة. وحصل الأمريكان قبل رحيل مبارك على تعهد بعدم منافسة الإخوان على الرئاسة، وبمرور الوقت كان هناك رأي: وما الذي يمنع؟! لكن عندما تم الانقضاض على التجربة فإن الأمريكان لا يقفون بجانب من يسقط ولو كان حليفهم الاستراتيجي، ومن شاه إيران إلى مبارك، حدث ولا حرج!

بقيام الثورة لم يكن الأمريكان يعرفون الإخوان جيدا، لذا فقد استعانوا بالخبرة البريطانية، والإنجليز يدركون أن الإخوان ليست جماعة إرهابية بأي حال من الأحوال، وحضور الإخوان بمؤسساتهم قوي هناك، ولم يكن الراحل إبراهيم منير مستعدا أن يخسر هذه السمعة الطيبة ولو كان المكسب هو عودة شرعية الرئيس محمد مرسي، فلن يبدد ما في يده من أجل ما في جيبه، والرجل رحمه الله كان يتحرك وفق النسق الإخواني الطبيعي ولم يكن يتأثر بالمزايدات التي تدفعه لتغيير أدائه بعد كل هذا العمر في الجماعة، فهو أدرى بحدود تفكيرها من الأجيال الجديدة المتحمسة!

ومنعت الخبرة البريطانية من إدراج الإخوان على قوائم الإرهاب، كما كانت سببا في فهم الأمريكان لهم، وأنهم يمثلون الوسطية بين جماعات الإسلام السياسي. لكن عندما يستيقظ ترامب الآن ويسرب أنه يفكر في وضع الإخوان على قوائم الإرهاب، فهو التاجر في رحلة بحثه عن "سبوبة" جديدة!

الشرع والإخوان:
في حال وُضع الإخوان على قوائم الإرهاب أمريكيا فإن هذا ستنتج عنه مشكلات جمة من خلال تفكيك كثير من المؤسسات في أمريكا، وسيضع الاتحاد الأوروبي في حرج لأنه سيكون مضطرا للقبول بهذا القرار، ودول فيه لا ترى مبررا له، وسيكون خطرا كبيرا على جماعة الإخوان
ومن المفارقات أن هذا التفكير يأتي بعد أيام قليلة من رفع اسم الرئيس السوري من قوائم الإرهاب، ومن استقباله في البيت الأبيض، وإشادة ترامب به، وهو من قاتل الجنود الأمريكيين في العراق، بينما كان الإخوان هناك ضمن الفصائل المعارضة لنظام الرئيس صدام حسين، المؤيدين لهذا الاحتلال!

في حال وُضع الإخوان على قوائم الإرهاب أمريكيا فإن هذا ستنتج عنه مشكلات جمة من خلال تفكيك كثير من المؤسسات في أمريكا، وسيضع الاتحاد الأوروبي في حرج لأنه سيكون مضطرا للقبول بهذا القرار، ودول فيه لا ترى مبررا له، وسيكون خطرا كبيرا على جماعة الإخوان من خلال مصادرة أموالها، وإن كانت بأسماء جمعيات لا تحمل اسم الجماعة، وسيمثل ضربة كبيرة لشبكاتها في الخارج، وتوسيع نطاق المراقبة!

وسيضع القرار الولايات المتحدة في إشكالية كبيرة، عندما تسعى لمحاصرة جماعة الحوثي، والمكون الرئيس الذي يمكن الاستعانة به هو حزب الإصلاح وهو حزب إخوان اليمن، فيكون ترامب بهذا الإجراء قد أحدث ضررا بمصالح بلاده في المنطقة، عندما يُغِلُّ يده بنفسه عن مواجهة الخطر الحقيقي، ولا يكون هناك مبرر لتوسيع دائرة العداء!

بيد أنه التاجر، وظني أن التسريبات هي مناورة منه للوقوف على ثمن هذه الخطوة، ولأنه يبيع دائما بالغالي، فلن يجد من يُثَمِّن قراره على النحو الذي يريد، فلن يكون أمامه إلا أن يُعرض عن هذا، وإن تم دفع الثمن، فإنه هنا لن يكون منافسا لمن يعملون في النشاط منذ سنوات طويلة، ولكنه سيُنهي وجودهم، فلا حاجة للإقليم بهجوم على جماعة لا تستطيع أن تعلن عن نفسها، وسينتهي تنظيمها الدولي، وتُصادر منصات التواصل الإعلامي باسمها واسم رموزها، وسيتم محاصرة الإعلام الذي يُنسب لها ولو بالشبهات!

إنه ترامب يعرض بضاعته كبائع متجول!

موقع عربي 21
ماذا يعني تصنيف الإخوان جماعة إرهابية في أمريكا؟! _ سليم عزوز