لغة القوة لا تصنع سلاماً _ صلاح سلام


صلاح سلام

تعيش المنطقة اليوم على وقع مفترق حاسم بين أجواء تفاؤل دبلوماسي حملها الرئيس الأميركي دونالد ترامب في زيارته الأخيرة إلى الشرق الأوسط، وبين واقع ميداني متفجر يعيد رسم خريطة الصراع مع العدو الإسرائيلي بلغة النار والدمار. فبينما كانت العواصم العربية تترقب مسار اتفاق وقف النار في غزة، وما إذا كانت حركة حماس ستقبل بالتخلي عن سلاحها في إطار تسوية شاملة، جاء الرد الإسرائيلي على نحو يعكس استمرار نهج العربدة العسكرية الذي لطالما شكّل السمة الأبرز في سلوك تل أبيب تجاه جيرانها.
الضربات الجوية الإسرائيلية العنيفة التي طالت ليل أمس منطقتي النبطية والبقاع في لبنان، جاءت كرسالة لتذكير الجميع بأن إسرائيل لا تزال تمسك بزمام المبادرة الميدانية، بغض النظر عن لحظات الانفتاح السياسي في الإقليم. غير أن هذا السلوك يكشف في جوهره عن مأزق استراتيجي تعيشه المؤسسة السياسية الإسرائيلية، التي ما زالت تراهن على القوة المفرطة كوسيلة لفرض شروطها على الآخرين.
في المقابل، يجد لبنان نفسه مجدداً في قلب العاصفة، رغم أن رئيس الجمهورية العماد عون كان قد أعلن استعداد لبنان للدخول في مفاوضات ضمن زمن التسويات الذي يلوح في الأفق. لكن الرد الإسرائيلي جاء ليعيد إلى الأذهان مشاهد العدوان المتكرر على الجنوب اللبناني، وكأن التاريخ يعيد نفسه بصيغة أكثر استفزازاً.
ما يجري اليوم لا يمكن فصله عن السياق الأوسع لمحاولات واشنطن إعادة ترتيب أوراق المنطقة. فالتفاؤل الذي أشاعه ترامب، والقائم على وعود بسلام جديد وتحالفات أمنية واقتصادية، يصطدم مجدداً بجدار الواقع الإسرائيلي الذي يصرّ على مقاربة كل الملفات من زاوية التفوق العسكري لا من منطلق الشراكة السياسية. وهنا تكمن المفارقة الكبرى: فبينما تتحدث الإدارة الأميركية عن «صفقة القرن» وعن شرق أوسط مستقر، تمضي إسرائيل في سياسة القصف والاغتيال في لبنان وغزة، والتوسع الاستيطاني في الضفة، ضاربة عرض الحائط بكل ما يمكن أن يفتح نافذة أمل أمام شعوب المنطقة.
يبدو أن إسرائيل لم تستوعب بعد أن الأمن الحقيقي لا يُبنى على أنقاض الآخرين، وأن لغة القوة مهما بلغت لن تصنع سلاماً دائماً. وحدها لغة العدالة والاحترام المتبادل قادرة على تحويل التفاؤل العابر إلى واقع مستقر. أما استمرار العربدة العسكرية، فلن يؤدي إلا إلى إجهاض كل مسعى نحو السلام، وإعادة المنطقة إلى دوامة العنف التي لم تخرج منها يوماً بالكامل.

صحيفة اللواء

لغة القوة لا تصنع سلاماً _ صلاح سلام