لعبة مكشوفة على حد السكين _ رفيق خوري


رفيق خوري

مأزق لبنان يكتمل، من حيث كان التقدير أن حصرية السلاح بداية الخروج منه. واللعبة بكل أوراقها مكشوفة على الطاولة. لا ظلال على الصورة. ولا مسافة للهرب إلى الأمام. وتلك هي المشكلة في لبنان. فاللعبة التقليدية في السياسة عاشت على ما سماه ميشال شيحا "الالتباس الخلاق" و"سوء التفاهم المتفق عليه". والرياضة السياسية الوطنية هي "تدوير الزوايا" بحيث يمكن التوصل الى تسويات ولو كانت أزمات مؤجلة. حتى في الحرب، فإن أوراق اللاعبين المحليين والإقليميين والدوليين لم تكن مكشوفة بالكامل. ولولا ذلك لما حدث اتفاق الطائف برعاية سعودية - مغربية - جزائرية ودعم دولي وجرى صوغ ميثاق وطني يمكن أن تبقى بنوده الأساسية خارج التطبيق من دون انفجار الحرب من جديد ومجرد صراعات على المال والسلطة.

ذلك أن كل شيء الآن على حد السكين. مجلس الوزراء الذي قرر سحب السلاح من "حزب الله" محشور من الأكثرية الشعبية وأميركا وأوروبا والعرب لتطبيق القرار سريعًا شمال الليطاني، ومن "حزب الله" وإيران للتراجع عن القرار. وهو لا يريد التراجع عن القرار، ولا يستطيع تطبيقه خوفًا من صدام داخلي خطير، ولا يملك المزيد من الوقت والوعود لتجنب حرب إسرائيلية بالغة الخطورة على لبنان كله لا على "الحزب" فقط. أميركا تحدد الفرصة للتطبيق بحلول نهاية العام الحالي، وقد تجددها في حال بدأ مجلس الوزراء خطوة عملية. "حزب الله" الذي ارتبط وجوده بالسلاح ومشروع ولاية الفقيه وبالتالي "عسكرة" الشيعة في لبنان والمنطقة ليس في وارد التخلي عن السلاح، ولا عن تحدي مجلس الوزراء وقراره. وإيران التي خسرت سوريا وخسرت في غزة ولبنان مصرة على استعادة نفوذها المنحسر ودعم "حزب الله" الذي يراه على أكبر ولايتي مستشار المرشد الأعلى علي خامنئي "أهم من الخبز والماء بالنسبة إلى لبنان" وعمليًا بالنسبة إلى طهران. فما العمل؟

أسوأ خيار هو الدعوة إلى التسليم بالواقع. فالواقع ليس ثابتًا. واقع اليوم ليس واقع ما قبل "حرب الإسناد". وواقع الغد مع استمرار الاعتداءات الإسرائيلية واحتلال النقاط الخمس يختلف عن واقع اليوم، ولو لم يكمل العدو الإسرائيلي الحرب الواسعة. والواقعية، خلافًا لما يسميها جان بودريار "الواقعية المفرطة"، ليست التسليم بالواقع بل البحث عن تغييره بالطرق المناسبة.

إذ كيف تستطيع الدولة قبول واقع سلاح يقول رئيس الحكومة نواف سلام بصراحة إنه "لا ردع ولا حمى ولا نصر" ويعرف الرئيس جوزاف عون أن الاحتفاظ به يدفع لبنان إما إلى عزلة عن العرب والعالم وإما إلى جحيم حرب إسرائيلية؟ وكيف يمكن ترك "حزب الله" يتسلح ويستعيد قرار الحرب والسلم ليأخذ البلد إلى حرب دائمة تكرر "حرب الإسناد" وحرب المشاركة في سوريا دفاعًا عن نظام الأسد قبل انهياره وحروبًا أخرى؟

خيار "حزب الله" وإيران إيديولوجي يتجاوز لبنان ومصلحته الوطنية العليا، ويقود إلى صدام خاسر مع التحولات الهائلة في المنطقة منذ حرب غزة ولبنان وإيران وسقوط نظام الأسد. أما الخيار الواقعي الذي هو المخرج من المأزق بأقل الخسائر الممكنة وربما ببعض المكاسب، فإنه إقدام "حزب الله" على تسليم سلاحه للجيش والانخراط في بناء مشروع الدولة والتوقف عن مواجهة "الثنائي الشيعي" للأكثرية والعودة إلى العمل للوفاق الوطني. وقمة التهور والتضحية بلبنان هي التهديد بحرب أهلية والتسبب بحرب إسرائيلية جديدة مدمرة بدل سلام لبنان.

و"الحرب الأهلية هي اسم مستعار للحرب التي لا تستطيع ربحها" كما قال كريستوفر غيلبي من جامعة ديوك.

صحيفة نداء الوطن
لعبة مكشوفة على حد السكين _ رفيق خوري