لبنان في نظام أمني إقليمي _ رفيق خوري


رفيق خوري

موسم التهويل مزدهر مع الاقتراب من نهاية عام على "اتفاق وقف الأعمال العدائية" بعد "حرب الإسناد" وما تبعها من ضربات قاسية على "حزب الله" وبيئته ولبنان. إسرائيل تهوّل، لا فقط بـ "إكمال المهمة" في الشمال لتدمير "حزب الله" وسلاحه ولبنان حسب نموذج غزة بل أيضًا بأن "الحزب" أعاد تسليح نفسه ويخطط لهجوم فرقة "الرضوان" على الجليل. والشيخ نعيم قاسم يحذر من أن الاعتداءات الإسرائيلية المستمرة لن تبقى بلا رد من المقاومة. ولا شيء يؤكد صحة الروايات الإسرائيلية والأميركية عن الأموال والأسلحة الجديدة التي وصلت إلى "حزب الله"، ولا بالطبع اقتراب الحرب الإسرائيلية أو رد "الحزب" على الاعتداءات والاحتلال. لكن الواضح هو التهويل بحرب أهلية لا طرف آخر فيها وشل الدولة وتفجير البلد دفاعًا عن السلاح الذي يرفض "حزب الله" تسليمه إلى الجيش لبدء العودة الى الاستثمارات والازدهار وإعادة الإعمار. وليس أمرًا قليل الدلالات تركيز الخطاب الإسرائيلي والأميركي على التسلح وإنذار الشيخ نعيم قاسم بالرد القريب، بدل التوقف أمام إشارته إلى أنه لا شيء يهدد أمن المستوطنات في الجليل، ولا وجود للمقاومة والسلاح جنوب الليطاني. فهل كان هذا عرضًا أم مجرد حيلة تكتيكية لمنع الحرب أو أقله تأخيرها؟ وهل هو حركة محلية أم جزء من سياسة جديدة في إيران ضمن اللعبة الكبيرة مع أميركا؟

البعض رأى عرضًا مغلفًا بكلام إنذاري خلاصته أن الأمن في جنوب الليطاني والجليل قابل لأن يكون محفوظًا مقابل التكيف مع بقاء السلاح شمال الليطاني، ولو في حال "تجميد". والبعض الآخر توقف أمام تجاهل حكومة نتنياهو وإدارة الرئيس ترامب، لأن اللعبة في المنطقة تحتاج إلى لبنان خالٍ من السلاح غير الشرعي، ولا مجال للتسليم به ولو كان "مجمدًا". فالاحتياط الأميركي للأمن في لبنان قائم، لا فقط على دور الشرعية وتنفيذ "حصرية السلاح" بل أيضًا على شيء يتعلق بإسرائيل وشيء يتعلق بدور سوريا والتزام الرئيس الشرع أمام ترامب، حسب الموفد توم برّاك، "العمل على مواجهة داعش والحرس الثوري الإيراني وحماس وحزب الله وغيرها من الشبكات الإرهابية".

ولا أحد يعرف إن كان هناك شيء ما يتم ترتيبه بصمت في الكواليس تمهيدًا لصفقة أميركية - إيرانية لم تعد سهلة. لكن من الصعب على أميركا أن تقف في منتصف عملية "سلام للشرق الأوسط"، وهي عملية تتطلب تسوية حقيقية في غزة مرتبطة بالضفة الغربية والأفق السياسي المفتوح لقيام دولة فلسطينية، وترتيبًا في لبنان بعد التخلص من سلاح "حزب الله"، وانخراطًا لسوريا الجديدة في نظام أمني إقليمي لا دور فيه لإيران، ولا تسليم كل شيء لتركيا، ولا وظيفة للحشد الشعبي في العراق، ولا مكان للحوثيين المتحكمين بأجزاء من اليمن.

والبعض يسأل: إلى أي حد وإلى متى يستمر الدفع الأميركي للسلام بقوة ترامب، وسط عقبات وتحديات محلية وإقليمية ودولية وبعضها داخل أميركا وأنصار ترامب في حركة "ماغا"؟ مهما يكن الجواب، فإن الحروب جزء من سلام ترامب. ولا حماية للبنان إلا في إطار هذا النظام الأمني الإقليمي برعاية واشنطن. والتجربة حيّة. سلاح "حزب الله" عجز عن حماية نفسه وبيئته قبل لبنان. وما يوصف بأنه السلاح الذي يرد الخطر صار مصدر الخطر. والحرب الإسرائيلية أخطر على لبنان من أي انفجار داخلي تحت عنوان الحرب الأهلية. فإلى أين الهرب إلى الأمام من حصرية السلاح وبناء الدولة الوطنية؟

"حرب ما بعد الحرب أكثر خطورة من الحرب" كما يقول الخبير الاستراتيجي الأميركي أنطوني كوردسمان.

صحيفة نداء الوطن
لبنان في نظام أمني إقليمي _ رفيق خوري