سعيد مالك
عودة إلى أحكام الدستور، لا سيما الفقرة التاسعة من المادة 53 منه، فإن صلاحية إصدار عفو خاص هي من الصلاحيات المرتبطة بالرئيس بصفته رئيس الدولة، ولا تُجيّر إلى مجلس الوزراء، عند خلوّ سدة الرئاسة. فيما العفو الشامل فلا يُمنح إلاّ بقانون.
قد يُفاجأ البعض حين يُدرك أن عدد قوانين ومراسيم وقرارات العفو العام منذ العام 1923 وحتى تاريخه، بلغت أربعة وأربعين. ستة منها صدرت بقرارات عن المفوّض السامي الفرنسي، وعدد مُماثل بمراسيم اشتراعية، فيما البقيّة بقوانين صدرت عن مجلس النواب.
بعض هذه القوانين جاءت شاملًا، والبعض الآخر جزئيًا، إذ تناولت بعض الجرائم حصرًا، مثلًا العفو عن مخالفات السير، أو جرائم المخدّرات، أو...
يعتقد البعض أن قوانين العفو العام تشمل كافة الجرائم وكامل العقوبة. فهذا الاعتقاد خاطئ، إذ إنها تستثني بعض الجرائم، وتُخفّض بعض العقوبات لا غير.
والفارق الأساسي بين العفو الخاص والعفو العام، هو أن العفو العام يصدر عن مجلس النواب، فيما الخاص عن رئيس الدولة. والعام يُلغي الجريمة ويُبطِل مفاعيلها ويُسقِط العقوبة ويُعيد للمستفيد منه كافة حقوقه المدنية والسياسية. فيما الخاص لا يؤدّي إلى هذه النتائج.
وبعيدًا من الغوص في تاريخ قوانين العفو العام، سنتناول حصرًا قوانين العفو الصادرة بعد الحرب الأهلية عام 1990. حيث صدر القانون 84/1991 وكان عامًا باستثناء بعض الجرائم. والقانون رقم 666 تاريخ 29/12/1997 والذي تناول حصرًا جرائم المخدّرات. والقانونان رقم 677 و678 لعام 2005 المتعلّقيان برفع الظُلم عن قائد "القوّات اللبنانية"، وجرائم الضُنّية ومجدل عنجر.
واليوم، بعد سقوط نِظام الأسد في سوريا، تجرى مشاورات بين الحكومة اللبنانية والحكومة السورية، بهدف تسليم المحكومين والموقوفين السوريين إلى السلطات السورية. كما تجرى نقاشات بهدف إصدار قانون عفو عام، يشمل الإسلاميين المُدانين والمحكومين، بهدف إحقاق الحق ورفع المظلومية.
يقتضي بادئ ذي بدء التفرقة بين الموقوفين والمحكومين.
بالنسبة إلى الموقوفين، يُفترض تسريع إجراءات محاكمتهم، وتحسين ظروف احتجازهم. فيما المحكومون ممكن أن يستفيدوا من قانون عفو عام يطالهم.
مع الإشارة إلى أنّه وللتمكُّن من تمرير قانون عفو عام في المجلس النيابي، يقتضي أن يُناقش في الكواليس بين الكتل النيابية، للتوصُّل إلى صيغة مقبولة من كافة الأفرقاء.
يقتضي أوّلاً أن يكون نصّ القانون مبنيًا على قاعدة ومبدأ العقاب، واستثناء بعض الجرائم. لا أن يكون مبنيًا على قاعدة ومبدأ الإعفاء مع استثناء بعض الجرائم. بحيث لا يجب أن يُشجّع القانون على التهرُّب من العقاب، واستسهال الجريمة، ما دام المشترع سيسن وفي كل مرّة قانون عفو عام، يُلغي الجريمة ويُبطِل مفاعيلها.
ثانيًا، يُفترض أن يأتي القانون واضحًا وصريحًا ومُفصّلًا، لا يحمل أي تأويل أو تفسير أو اجتهاد. كون ذلك يصبّ في خانة المشمولين بالعفو العام وليس العكس.
كما يقتضي أن لا يُشكّل رشوةً انتخابية لشريحةٍ من الناخبين. كونه يجب أن يأتي خِدمةً للمصلحة العامة ومصلحة المجتمع، وليس خدمةً لمصالح مُشرّعين في استحقاقٍ قادم.
أمّا لجهة الأساس، فمن الثابت أن أي قانون لا يجب أن يشمل على الإطلاق، الجرائم الإرهابية، والجرائم الواقعة على الجيش اللبناني والمؤسسات الأمنية. ولا يجب أن يشمل مَن أزهق حياة ضبّاط وأفراد المؤسسة العسكرية.
أمّا في ما خصّ التفاوض مع الجانب السوري، فلا يجب أن يشمل التسليم مَن تلطّخت يداه بدماء الجيش، ومَن مارس الإرهاب أيضًا.
صحيفة نداء الوطن