صلاح سلام
مع اقتراب الحكومة من إنجاز قانون الفجوة المالية قبل نهاية العام الحالي، الذي يُفترض أن يضع حداً للجدل القائم منذ سنوات حول حجم الخسائر وتوزيعها بين الدولة والمصرف المركزي والمصارف والمودعين، بدأت بوادر تحريك مفتعل لبعض مجموعات المودعين تلوح في الأفق. ورغم أن هؤلاء المودعين أصحاب قضية محقة، فإن توقيت التحركات، وطريقة تنظيمها، والجهات التي تقف خلفها، تكشف أن ثمة محاولة للالتفاف على الجهود الحكومية الرامية إلى معالجة الوضع المصرفي وإعادة هيكلته، بما يحفظ ما تبقَّى من حقوق المودعين ويعيد إحياء الدور الحيوي للقطاع المصرفي في إنماء الحركة الاقتصادية.
ففي الوقت الذي تتهيأ فيه الحكومة لإصدار القانون الذي من شأنه تحديد الخسائر بشفافية، تظهر أطراف مصرفية متضررة تحاول الاستثمار في غضب المودعين لتعطيل المسار الإصلاحي. هذه الأطراف، التي ما زالت ترفض الاعتراف بحجم الفجوة الفعلية في ميزانياتها، تسعى إلى دفع بعض المجموعات إلى الشارع تحت شعار «الدفاع عن حقوق المودعين»، فيما الهدف الحقيقي هو الضغط على الحكومة لفرملة القانون أو تعديله، بما يخفف من الأكلاف التي ستتحملها المصارف نتيجة انكشافاتها الكبيرة خلال السنوات الماضية.
ولا شك أن معاناة المودعين حقيقية ومؤلمة، وأن جزءاً كبيراً من الخسائر وقع عليهم بطريقة غير رسمية، عبر القيود التي فُرضت على سحوباتهم وتحويلاتهم. غير أن الحل لا يكون بإبقاء الأزمة مفتوحة ولا بعرقلة أي تشريع يضع إطاراً واضحاً لتوزيع الخسائر. فغياب القانون طوال السنوات الماضية كان البيئة المثالية التي مكّنت بعض المصارف من التهرب من مسؤولياتها وتأجيل أي إعادة هيكلة فعلية، على حساب المودعين والاقتصاد معاً.
إن قانون الفجوة المالية ليس موجهاً ضد المودعين كما يُروِّج له البعض، بل هو محاولة لوضع حدِّ لمرحلة الضباب التي سمحت بتذويب جزء كبير من الودائع من دون إعلان واضح. وهو يمثّل الشرط الأولي لإطلاق مسار إعادة هيكلة المصارف، واستعادة الثقة، وإعادة بناء قطاع مصرفي حديث يستطيع أن يؤدي دوره الطبيعي في تمويل الاقتصاد، بدل الارتهان للديون والفوائد.
من هنا تبرز خطورة ترك المودعين وقوداً لصراع لا يخدم إلا الجهات التي تريد حماية مصالحها الضيقة. فالمعركة الحقيقية ليست في الشارع، بل في إقرار تشريع عادل وشفاف يضمن توزيع الخسائر بصورة منصفة وعادلة، ويعيد وضع القطاع المصرفي على السكة الصحيحة، ويضع الدولة أمام مسؤولياتها.
وإذا لم يُرفع الغطاء عن محاولات الاستغلال الجارية، ستبقى كل خطوة إصلاحية مهدَّدة بالتعطيل، فيما يبقى المودعون هم الخاسر الأكبر.
صحيفة اللواء