فرصة السنة لتحرّرهم السياسي والوطني _ أحمد الأيوبي


أحمد الأيوبي

شكّلت تجربة الرئيس سعد الحريري بقيادة تيار المستقبل حالة عجيبة غريبة، فعندما حقّق التيار الانتصار الأوسع وبلغ الذروة في الحصول على أكبر كتلة نيابية في العام 2009 (كتلة لبنان أولًا) سجّل ذاك العام بداية الانحدار الحقيقي لهذا التيار لأنّه لم يستطع الاستثمار في الانتصار ولم يتمكن من الدخول في عمق المعادلة اللبنانية، لأنّ الحريري لم يدرك طبيعة الحكم ولم يحسن التعامل مع الدولة العميقة، فبقي مع الدولة السطحية واكتفى بظاهر السلطة ولم يكلِّف نفسه عناء الدخول إلى عمقها، وهذا سهّل استيلاء "حزب الله" وحلفائه على المفاصل الاستراتيجية وهوّن على الحريري التنازلات التي بلغت ذروتها مع الصفقة الرئاسية التي جاءت بميشال عون إلى الحكم، ومعه فتحت أبواب جهنم على لبنان.

ينسى الكثيرون أنّ تيار المستقبل كان يشكِّل "إمبراطورية" سياسية واقتصادية وإعلامية لم يعد يوجد منها شيء سوى بقايا متناثرة، فالجسم التنظيمي انطفأ مغ إغلاق مقرّ التيار وإطفاء مولدات بيت الوسط وصرف أغلب موظفيه، وقد اعتاد اللبنانيون هذا الاندثار، فلم يعد أحد ينتظر عودة شيء منه بعد انتهاء مناورات إعادة تشغيل التلفزيون وإلهاء الجمهور ببعض الشعوذات الإعلامية... فكلّ ذلك سقط بمرو الزمن.

بقيت مناورة واحدة ما زال البعض يستعملها هي مناورة احتمال عودة الرئيس سعد الحريري إلى الحياة السياسية، فعند كلّ مناسبة 14 شباط تعمل جهة واحدة يمثلها الأمين العام للتيار المعلق سياسيًا، إلى استثارة العواطف لاستدراج الجمهور للمشاركة في إحياء ذكرى استشهاد الرئيس رفيق الحريري، وهي ذكرى وطنية جامعة حوّلتها الممارسات الخاطئة إلى ذكرى عائلية محدودة...

وعند كلّ استحقاق انتخابي نيابي، تنشط هذه الآلة البائسة للترويج بأنّ الرئيس الحريري عائد لخوض الانتخابات، أو أنه يبارك خوض التيار لها، وأنه سيجري تشكيل لوائح في المناطق انطلاقًا من أنّ شعبية التيار الأزرق ما تزال قوية وفاعلة.

وبغضّ النظر عن مدى الفاعلية، هناك سؤال أساس ينبغي طرحه أمام من يروج لعودة تيار المستقبل إلى الحياة السياسية من بوابة الانتخابات النيابية، مع الإقرار بحقّ الجميع بالمشاركة في الاستحقاقات التمثيلية، لكنّ المشكلة عند من اعتزل ويريد أن يُبقي السنة في الثلاجة بانتظار عودته التي باتت أشبه بالغيبة الكبرى، رغم حضور صاحبها.

السؤال الكبير هو: ماذا يستطيع تيار المستقبل أن يقدمه للسنة خصوصًا وللبنانيين عمومًا؟

لقد امتلك الرئيس سعد الحريري كلّ الفرص السياسية والمالية، المحلية والعربية والدولية، ربما أكبر مما توفر للرئيس الشهيد رفيق الحريري، ومع ذلك فإنّ هذا الإرث وما أضيف إليه اندثر وتبخر بعد أن تحوّل تيار المستقبل إلى أسوأ نموذج للفساد السياسي والضعف في القرار واستسهال التنازل عن الصلاحيات والحقوق، فترك وراءه بيروت وطرابلس وعكار وصيدا وما بينها من مدن وبلدات سنية قاعًا صفصفًا، حيث لم يكتف بتجاهل واجباته التنموية، بل إنّه سلب منها حقوقها وضيّعها... وواقع الحال خير شاهد على سوء المآل...

سبق للحريري أن ترأس أكبر كتلة نيابية ومع ذلك لم يكن وجوده في النيابة وفي الحكم سوى فرصة مضاعة غير قابلة للعودة، فكم نائبًا يمكن أن يحصِّل تيار المستقبل اليوم كحدّ أقصى؟

بالتأكيد لن يحصد سوى بضعة نواب بالكاد يكون لهم ما يوازي وزارة واحدة، فماذا يمكن أن يحقق هذا التمثيل سوى التفرقة والشرذمة، خاصة أن التيار الأزرق اليوم بات ملونًا بالأصفر، وأقرب عمليًا إلى سياسات "حزب الله" بما هو أبعد من تقديم التعازي لقيادات "الحزب"...

أسئلة واقعية نسردها للرأي العام من باب الإضاءة على الحقائق، وإنارة الطريق مبكرًا حتى لا تتكرّر تلك المتاجرة من قبل من تبقى من متنافسين على الإرث، وهم جميعًا مسؤولون عن القاع الذي وصل إليه "تيار المستقبل" والسنة في لبنان.

يحتاج اللبنانيون السنة إلى طيّ صفحة الماضي، وإنّ حمل عنوان المستقبل، وأن يفتحوا الباب أمام من يحمل مشروعًا نهضويًا ويستطيع تمثيلهم بقوة وصدق خاصة في ظلّ التحولات الهائلة التي تشهدها منطقتنا والعالم... وهذه الفرصة متاحة للجميع، سواء للسيد بهاء الحريري ليثبت قدرته على القيادة السياسية، ولأصحاب الكفاءة من أهل الاختصاص والخبرة السياسية والتنموية، فلم يعد مقبولًا أن يمثل السنة نواب شبه أميّين أو متاجرون فاشلون، وفي سبيل التقدّم فليتنافس المتنافسون.

صحيفة نداء الوطن
فرصة السنة لتحرّرهم السياسي والوطني _ أحمد الأيوبي