طغيان الهيمنة وتراخي التغيير _ رفيق خوري


رفيق خوري

لا شيء يوحي، بعد شهور من وضع برنامج التغيير على جدول الأعمال، أن هيمنة "الثنائي الشيعي" على السلطة والبلد تبدّلت أو أقله خفت. لا الضربة القاسية التي تلقاها "حزب اللّه" في "حرب الإسناد" لغزة مع إسرائيل، التي أضعفته ودمّرت أهمّ أسلحته ومنشآته العسكرية واغتالت قادته وكوادره ودمّرت بيئته وهجّرتها. ولا ولادة "الجديد" على قمّة السلطة ملتزمًا "حصرية السلاح" في يد الدولة وواعدًا ببناء دولة الحق والمؤسسات، ثمّ مقرّرًا في مجلس الوزراء سحب السلاح من "حزب اللّه" وتكليف الجيش إعداد خطة جرى وضعها لسحب السلاح. لا انحسار النفوذ الإيراني في المنطقة وتعرّض الجمهورية الإسلامية لحرب إسرائيلية شاركت فيها أميركا. ولا سقوط نظام الأسد في سوريا التي كانت "الجسر" لطهران والعمق لـ "حزب اللّه"، وتسلّم "هيئة تحرير الشام" السلفية الجهادية السلطة بغض نظر روسي ودعم تركي وأميركي وسعودي.

ذلك أن كلّ شيء يبدو كأنه تزحزح قليلًا ثمّ عاد إلى موضعه. وأين؟ وسط دعم شعبي واسع لـ "الجديد" وزخم عربي ودولي قويّ وراءه. ومتى؟ عندما بدأت المنطقة كلّها تتغيّر بقوّة تحوّلات هائلة فتحت الطريق إليها عملية "طوفان الأقصى" من حيث راهنت "حماس" على العكس، فتكسّرت الأذرع العسكرية الأيديولوجية التي صنعتها إيران على مدى أربعة عقود، وتراجع المدّ الإيراني في غزة ولبنان وحتى في العراق المحشور في فكي كماشة إيرانية - أميركية. وليس من المعقول بعد كلّ ذلك أن يقال للبنانيين الفرحين بالخلاص من كابوس الهيمنة والوصايتين السورية والإيرانية إن التغيير في لبنان مهمة مستحيلة. والمعادلة هي: إما استمرار الهيمنة وإما تفجير البلد والتلويح بحرب أهلية.

لكن هذا، مع الأسف، ما نراه ونسمعه. والسرّ ليس قوّة "الثنائي" بل التراخي حيال ما يريد فرضه. وليس حدوث ما يقود إلى إغلاق نافذة الفرصة أمام "الجديد" بل لعب "القديم" بين أهل "الجديد" ورهانه على سياسة التلويح بالخطر لدفع اللبنانيين إلى تضييع الفرصة المفتوحة. فرئيس المجلس النيابي نبيه بري يختصر المجلس بشخصه ويقرّر منع الأكثرية من التصويت على تعديل في قانون الانتخاب لتصحيح غلطة هي تخصيص ستة مقاعد في القارات للمغتربين بدل أن يظلّوا على اتصال بالتيارات السياسية على اختلافها والتأثير في سياسات البلد. وقمّة السخرية أن يقدّم معاون بري اقتراح قانون انتخاب خارج القيد الطائفي وتشكيل مجلس شيوخ، ثم يصرّ "الثنائي الشيعي" على حصر النواب الشيعة الـ 27 به والحؤول دون حصول أي مرشح آخر على مقعد واحد. ومرحبًا دولة مدنية. والمفارقة أنه كان في الأساس ضد صيغة "التفضيل" لمرشح واحد في القانون الذي يصرّ حاليًا على جعله "بعد القرآن والإنجيل". ولا شيء يمرّ في التعيينات من دون حصة له. وزراء "الثنائي" ينسحبون من أي جلسة في مجلس الوزراء تبحث في موضوع لا يريده. ولا يزال الغضب قويًا على وصول نواف سلام إلى رئاسة الحكومة بدل ما كان متفقًا عليه من إعادة تكليف الرئيس نجيب ميقاتي تأليف الحكومة.

و "حزب اللّه" يتحدّى السلطة على المكشوف. ولا يكتفي برفض تسليم السلاح ودعوة مجلس الوزراء إلى تصحيح "الخطيئة" في قرار السحب بل يعلن أنه يستعيد قوّته وتسلّحه و "يرمّم" نفسه ويستعدّ لاستخدام السلاح في المقاومة. وهو يطالب يوميًا مع "أمل" بأن تسارع السلطة إلى إعادة إعمار ما دمّرته إسرائيل في الحرب من دون انتظار المساعدات العربية والدولية، مع معرفة "الثنائي"، لا فقط أن سحب السلاح شرط للمساهمة الخارجية في إعادة الإعمار بل أيضًا أن إعادة الإعمار وسط التهديد الإسرائيلي بإكمال الحرب وتلويح "حزب اللّه" بمعاودة المقاومة هي تمارين في العبث. والتجربة ماثلة أمامنا في تدمير ما أعيد إعماره بعد حرب 2006.

و "عندما تموت الحقائق تموت الحرية" كما يقول المؤرّخ سيمون شاما.

صحيفة نداء الوطن
طغيان الهيمنة وتراخي التغيير _ رفيق خوري