دروس الحرب على جدران لبنان _ رفيق خوري


رفيق خوري

ليس أمام لبنان سوى الحكمة التقليدية القائلة: "عند تغيير الدول احفظ رأسك". وما نشهده حالياً في التحولات المتسارعة في لبنان والمنطقة هو الصعود إلى ذروة جديدة في التطورات الدراماتيكية لتغيير الدول. لكن حفظ الرأس في صراع وجودي بين إسرائيل وإيران ليس مجرد تحييد وانتظار في الظل على حافة النهر وما سيحمله. فالدولة العبرية تقفز من فوق حرب مع الأطراف إلى حرب في المركز. قفزة من فوق ما سمتها، مهمة لم تكتمل في حرب غزة ولبنان ومع الحوثيين في صنعاء إلى حرب لن تكتمل في طهران بقوة إسرائيل وحدها.

وإذا كان خطاب "حزب الله" يوحي أنه يعمل على استعادة قوته لكي يكمل مهمته في حرب الأجيال مع العدو الإسرائيلي، فإن على لبنان أن يقوم عملياً بالمهمة التي فتحت الطريق أمام العهد الجديد والحكومة الجديدة، وجاء التعبير عن التزامها في خطاب القسم والبيان الوزاري: مهمة الإمساك الحقيقي بقرار الحرب والسلم، وسحب السلاح خارج الشرعية من "حزب الله" والفصائل الفلسطينية في المخيمات، وتطبيق القرار 1701 بكل مندرجاته. وهي مهمة يقود التردد في القيام بها إلى ضياع الفرصة المحلية والعربية والدولية المفتوحة أمام البلد وترك رأسه في العراء تحت الصواريخ.

ذلك أن تجربة "حزب الله" تتكرر في إيران حيث منبعها الأصلي: التصرف في بيروت على أساس أن "فائض القوة" حقيقة، والقول إن "إسرائيل أوهن من بيت العنكبوت" ليس شعاراً تعبوياً. والتصرف في طهران على أساس أن لديها قوة صاروخية تكفي للقضاء على إسرائيل و"تركيع" أميركا، وأنها باتت عبر أذرعها المسلحة في لبنان وسوريا والعراق واليمن وغزة صاحبة "اليد العليا" في المنطقة، على حد التعبير الذي استخدمه المرشد الأعلى علي خامنئي. لكن الامتحان جاء في "حرب الإسناد" ودرسها المكتوب على الجدران المهدمة في الجنوب وبيروت والبقاع:

عجز "حزب الله" عن ردع العدو وعن حماية لبنان وبيئته الحاضنة كما عن حماية نفسه وقادته الكبار وعلى رأسهم السيد حسن نصرالله، وانكشافه أمام التفوق التكنولوجي والعمل الاستخباري. وامتحان الجمهورية الإسلامية جاء في الضربة الإسرائيلية الأولى: قتل قادة الجيش والحرس الثوري، قصف المنشآت النووية، والسيطرة على الأجواء الإيرانية كما هي الحال فوق لبنان وسوريا. فضلاً عن ظهور خلل في القدرات العسكرية، وهشاشة في المنظومة الدفاعية، وضعف التقدير الأمني والاستخباري.

حتى عملية "طوفان الأقصى" الناجحة عسكرياً وأمنياً والتي هزت أركان إسرائيل وأعادت الاعتبار إلى قضية فلسطين في شوارع العالم وجامعاته، فإنها صارت ضحية حسابات خاطئة. حركة "حماس" راهنت على أن يكون "الطوفان" بداية هجوم شامل من "محور المقاومة" بقيادة إيران على إسرائيل، ودعت "جماهير الأمة" إلى الزحف لنصرة القدس، فوجدت نفسها تقاتل وحيدة في قطاع ضيق محاصر لا يفك حصاره إسنادًا من "حزب الله" والحوثيين.

أما "حزب الله"، فإنه تلقى ضربات شديدة وخرج من ساحة "الميدان" في الجنوب اللبناني.

وليس من السهل إقناع "الحزب" بأن ما يسميه "نصراً" هو هزيمة إستراتيجية. لكن الخبير الاستراتيجي البريطاني لورنس فريدمان أستاذ دراسات الحرب في كلية الملك لندن يرى في مقال نشرته "فورين أفيرز" أن "إسرائيل ربحت حرب لبنان". لماذا؟ لأن "حزب الله قبل وقف النار قبل انتهاء حرب غزة، وكان يرفض ذلك". والمسألة في البداية والنهاية ليست ما يفكر فيه أي طرف بل ما تفعله الشرعية اللبنانية تجاه البلد والناس وحماية الجميع من المغامرات وإغراء الاندفاع في حرب دائمة تقود من هزيمة إلى أخرى.

يقول وزير الدفاع الأميركي السابق روبرت ماكنمارا في كتاب "استعادة التراجيديا ودروس فيتنام" إن "القوى العظمى تفشل في رؤية حدود قوتها". ومشكلة القوى الصغرى أنها ترى قوتها بلا حدود، ثم تدفع الثمن.

صحيفة نداء الوطن
دروس الحرب على جدران لبنان _ رفيق خوري