حسابات قرار ليس من ورق _ رفيق خوري


رفيق خوري

لا مجال للتوقف عن الحراك في أيام التحولات المتسارعة في المنطقة. ولا فرق في العبثية بين من يحاول إعادة عقارب الساعة إلى الوراء وبين من يتوهم القدرة على تجميد الزمن. فاللعبة في لبنان تبدلت، وإن أصر بعض اللاعبين على استمرار اللعب بالقواعد القديمة. وأخطر شيء هو ألا يحدث شيء، حسب سيناريو يراهن عليه خائفون يريدون البقاء في دور المخيفين ويمارسون أعلى مراحل التهويل. سيناريو "التساكن" بين أربعة أوضاع متحركة ضمن ما كان الرئيس جون كينيدي يسميها "القواعد غير المستقرة للستاتيكو": قرار مجلس الوزراء القاضي بسحب السلاح من "حزب الله"، موقف "الثنائي الشيعي" المتمسك بالحفاظ على السلاح، احتلال العدو الإسرائيلي التلال الخمس في الجنوب وحرية الحركة في قصف أي هدف جنوب أو شمال الليطاني، وبقاء لبنان بلا مساعدات واستثمارات وإعادة إعمار ولا رعاية عربية ودولية.

لكن هذا "التساكن" مهمة مستحيلة. فلا ما قرره مجلس الوزراء وطلب من الجيش إعداد خطة لتنفيذه هو قرار من ورق. ولا المطالبة بالعودة عنه بداعي أنه "خطيئة" سوى دفاع عن "الخطأ الاستراتيجي" في "حرب الإسناد" وإصرار على إكمال الخطأ. لا المسألة في لبنان هي أن "إيران في حاجة إلى "حزب الله"، وهو في حاجة إليها وسوف تساعده كالسابق لكونه رأسمالًا إستراتيجيًا" حسب علي لاريجاني أمين المجلس الأعلى للأمن القومي في جمهورية الملالي. ولا اللعبة الإقليمية والدولية حاليًا تعطي طهران و"حزب الله" والحشد الشعبي وبقية الفصائل المرتبطة بالحرس الثوري ما هو أكثر من "إدارة التراجع"، بصرف النظر عن ادعاء الانتقال إلى "إدارة الصعود".

ذلك أن قرار مجلس الوزراء أنشأ وضعًا جديدًا: نزع الشرعية عن السلاح قبل سحبه وبدء الحد من التسلط على المؤسسات والإدارات والمواقع الأمنية. هو أول قرار كبير من دون أن يحمل "ختم" الرئيس نبيه بري وقيادة "حزب الله". وأجرأ قرار اتخذه رئيسا الجمهورية والحكومة بأكثرية في مجلس الوزراء مع أكثرية شعبية لبنانية وأكثرية عربية وأكثرية دولية. أما الادعاء بأنه "غير ميثاقي"، فإنه قفز من فوق الدستور وتصوير لوقوف طرف ضد إرادة الدولة ومعظم اللبنانيين بأنه "ميثاقي". وأما الغلو في المواقف بحجة أن السلاح هو "سلاح الله ولا قوة على الأرض تستطيع نزعه"فإنه في باب المزايدات المؤذية لأن الله سبحانه وتعالى ليس في حاجة إلى سلاح وأنصار وأحزاب، فهو رب الكون.

تقول الحكمة الصينية: "إبحث عن الحقيقة في الوقائع". ولا مجال لإنكار الحقيقة التي كشفتها وقائع "حرب الإسناد". فالسلاح عجز عن الردع كما عن الحماية والحؤول دون عودة الاحتلال. واتفاق وقف الأعمال العدائية الذي فاوض ووافق عليه "الثنائي الشيعي" وضع خارطة طريق لنهاية سلاح تلقى مع قادته ضربة شديدة وبات صاحبه مكتوف اليدين أمام الاعتداءات الإسرائيلية اليومية على أفراده وبنيته العسكرية وبيئته الحاضنة. أما في التوقعات، فإن السلاح ليس جاهزاً للاستخدام ضد الاحتلال لأنه يخسر، ولا هو قابل للاستخدام في الداخل لأن التهديد بحرب أهلية هو عمليًا إعلان حرب على أكثرية اللبنانيين كما على الدولة، وخسارة المبادر مؤكدة.

فضلًا عن أن مواجهة الأكثريات الثلاث اللبنانية والعربية والدولية، هي مغامرة خطيرة وخطرة في النهاية. ولا أحد يجهل أن "حزب الله" في مأزق، وإيران في مأزق أكبر، لأن قدرتها على وقف الانحسار الذي أصاب نفوذها وتلبية مطالب شعبها في الداخل وأذرعها في المنطقة تتوقف على رفع العقوبات الأميركية عنها. وأي رفع للعقوبات يحتاج إلى تنازلات كبيرة في صفقة بعضها في المشروع الإقليمي وأدواته، وهذا إذا لم يقدم الثلاثي الأوروبي- الفرنسي- البريطاني- الألماني على استخدام "آلية الزناد" بما يعيد العقوبات الدولية في مجلس الأمن أوتوماتيكيًا على إيران. وأقل ما قاله عبد الرحمن الكواكبي في كتابه عن "الاستبداد" إنه "لا مستبد إلا ويتخذ صفة قدسية يشارك بها الله".

صحيفة نداء الوطن
حسابات قرار ليس من ورق _ رفيق خوري