تفجير كنيسة مار إلياس.. لا عودة إلى الوراء _


د. أحمد موفق زيدان

التفجير الإرهابي الإجرامي الذي استهدف يوم «الأحد الأسود» كنيسة مار إلياس في منطقة الدويلعة بالعاصمة دمشق، والذي راح ضحيته عشرات المدنيين بين قتيل وجريح، استهدف في الحقيقة، سوريا الحاضر والمستقبل. لم يغبْ عن الفاعل المنفذ والمخطط أن هدفه وطموحه كان نسف سوريا الجديدة التي نسعى إلى رسمها بدماء مليون شهيد وعذابات 14 مليون مهجر مشرد، وذلك بدعم عربي وإسلامي وإنساني غير مسبوق، وبكل تأكيد ساء هذا المشهد الجديد لسوريا المستقبل أعداءها الذين لن يُعدموا أدوات رخيصة لتحقيق أوهام أجندات جيوسياسية وجيو اقتصادية على حساب دماء الأبرياء من كافة الملل والنحل، ولكن تكاتف السوريين والعرب والمسلمين خلف المشروع الجديد كفيل بإذن الله لإحباط كل المخططات الشريرة التي تريد النيل من سوريا الحالية، وتسعى إلى جرّنا إلى سوريا الكيماوي والكبتاغون والتهجير والإرهاب الذي طال سوريا لأكثر من نصف قرن ماض.

العمل الإجرامي كان رسالة للغرب تحديداً، مفادها أن الطائفة المسيحية ليست في مأمن، وأن الحكم الجديد غير قادر على حمايتها، ولكن خاب وخسر الفاعل المنفذ والمخطط، فالكل لم ينسَ حتى الآن جرائم النظام السابق في استهداف كنائس لبنانية وحتى مخططه عبر ميشال سماحة في استهداف البطريرك ذاته، ويكفي الثورة السورية شرفاً وهي التي أفرزت العهد الجديد أنها لم تتعرض للطوائف، ولم تتعرض لأماكن عباداتهم أو أرزاقهم، وسيظل العالم كله يتذكر موقف أناضول الثورة في إدلب، وحكومة الانقاذ فيها، تجاه المسيحيين والدروز، من حيث الحماية والمساندة، كما لن ننسى المواقف الوطنية المشرفة لكلا الطائفتين خلال فترة الثورة في تلك المنطقة من سوريا، ولذا لن يُفلح غرابيب السود الداخليين والخارجيين في دقّ أسافين بين الشعب السوري، الذي صمم على انتزاع حقوقه من أنياب الضباع والذئاب، وصمم معها على العبور بسوريا إلى مستقبل مشرف يستحقه السوريون.

الموقف الذي أبدته الحكومة السورية، ومعها كل أطياف الشعب السوري، وبكافة شرائحه الطائفية دعماً للمغدورين في الكنيسة، أحبط مشروع المنفذ والمخطط للفعل الإجرامي، وسحب منه ورقته القوية التي طالما هجس بها، وهو ضرب الوحدة الوطنية السورية، ولعل توافد الوزراء والمسؤولين إلى مكان الحادث، وإعلان كل مؤسسات الدولة، ومعها القوى الثورية والوطنية السورية وقوفها صفاً واحداً بوجه الإجرام القادم من سواد القلوب، كل هذا شكل حالة مطمئنة لحاضر سوريا ومستقبلها، خصوصاً وأن الشعب السوري قد وقف صفاً واحداً خلف الضحايا، إن كان بتبرعه بالدم لضحايا الانفجار، أو بالمواقف الوطنية المشرفة والواضحة على مواقع التواصل الاجتماعي، مما شكل هزيمة ساحقة وماحقة لأصحاب المشروع الإجرامي الذين خالوا بقتلهم الأبرياء سينالون من حرية واستقلال وكرامة السوريين، المصممين على نيل استقلالهم الثاني والحقيقي رغم كل العصي الذي يحاول أن يضعها أعداء الداخل والخارج في عجلة التنمية والبناء.

المعلومات المتوافرة تشير إلى أن جهاز الأمن العام، ومن خلفه وزارة الداخلية، كانوا على علم بوجود عمليات إرهابية قادمة ولكن لم تكن التفاصيل موجودة، وإن كانت أجهزة الأمن قد اتخذت بعض الإجراءات الوقائية، لكن المفاجأة كانت بالهدف الرخو في كنيسة بمنطقة شعبية في الدويلعة بدمشق، هذا الأمر بقدر ما يُحزن في إفلات القتلة بتنفيذ جريمتهم، بقدر ما يعطي إشارات إلى أن جهاز الأمن العام لديه بعض المعلومات التي سيبني عليها بإذن الله من أجل الوصول إلى الحقيقة في القبض على الفاعل الحقيقي، ونحن هنا لن نستبق الأحداث والتحقيقيات ولكن بكل تأكيد فإن بصمات الإجرام موجودة، وستظهر التحقيقات كل الأيادي الخبيثة التي لا تزال تصر على النيل من سوريا الجديدة، والتي هي ركن أساسي من استقرار المنطقة، ونحن نرى هذا التضامن الإنساني الواسع والعميق مع السوريين، ومع العذابات التي تكشفت بعد رحيل العصابة التي أُبتليت بها الشام لأكثر من نصف قرن.

اليوم واجب الوقت على السوريين ومؤيديهم وداعميهم هو إحباط المخطط الشرير الذي يستهدفهم ويستهدف مشروع الاستقرار في بلدهم والمنطقة، ولا يتأتى ذلك إلاّ من خلال التكاتف والتضامن، والوقوف صفاً واحداً، عبر التبليغ على كل من يشك بأمر لقوى الأمن الداخلي، مع التعبير عن وحدتنا وتضامننا بوجه القوى الظلامية الداخلية والخارجية، يحدونا الدعم الواسع والعميق الذي عبرت عنه الدول ومؤسساتها في العالم مع جريمة الأحد الأسود.

صحيفة الشرق القطرية
تفجير كنيسة مار إلياس.. لا عودة إلى الوراء _د. أحمد موفق زيدان