تفجير المراقد .. لماذا يلجأ الخصوم إلى شيطنة مخالفيهم؟ _


طارق الهاشمي

شيطنة الآخر ليست مجرد سلوك عفوي أو رد فعل طبيعي في النزاعات السياسية أو الدينية، بل هي وسيلة خبيثة وممنهجة، أشبه بصناعة متقنة، تستهدف تشويه صورة الخصوم وإلصاق التهم الباطلة بهم. ويكمن الخطر الأكبر في توظيف العنف ضد الرموز والمقدسات كوسيلة لإحداث صدمة عاطفية جماهيرية، تمهيدًا لتحريض شعبي واسع النطاق.

* تفجير قبة الإمامين في سامراء: نموذج لصناعة الشيطنة: كان تفجير قبة الإمامين علي الهادي والحسن العسكري ( رض) في سامراء، في 22 فبراير 2006، أحد أخطر الأمثلة على هذا النهج. حيث صُدم العراقيون بسماع خبر هذا العمل الإجرامي، الذي نسبه حينها مستشار الأمن القومي موفق الربيعي إلى مجموعة تكفيرية مؤلفة من 5 عناصر اقتحمت المكان، قيدت 35 حارسا من مغاوير وزارة الداخلية، ثم فجرت القبة. لكن الأحداث التي التي أعقبت التفجير كشفت عن استغلال المخطط من اجل اثارة الفتنة الطائفية.

فبدل أن يتوجه الغضب الشعبي نحو موقع الجريمة شمالًا، انطلقت جماعات مسلحة من مناطق محددة في بغداد، خصوصًا من الجانب الشرقي للمدينة، واستهدفت مساجد وممتلكات السنة في حملة ممنهجة من الحرق والتدمير والتخريب، أدت إلى تدمير اكثر من مائة مسجد ومقتل أكثر من ألف شخص خلال يومين منهم الكثير من خطباء وأئمة المساجد وحتى المؤذنين، وضباط متقاعدين وطيارين ووجهاء، وتشريد عائلات بغدادية عريقة. وفي مشهد لافت، تصرفت القوات الأمريكية المحتلة بلا مبالاة، تتفرج على الحدث المأساوي! ودون ان تتدخل! رغم أنها كانت مسؤولة عن الأمن وقادرة على إنفاذ القانون.

* الخطاب السياسي والديني: أداة الشيطنة: قبل أن يكتمل التحقيق الرسمي، سارعت جهات سياسية ودينية محسوبة على الطائفة الشيعية إلى اتهام السنة بالجريمة، في خطاب تحريضي يهدف إلى تأجيج الكراهية وترسيخ الانقسام. حيث كانت الشيطنة هدفًا واضحًا منذ البداية، إذ إن المقدمات لا تُقرأ عادة إلا في ضوء النتائج.

ولكن بعد سنوات من الصمت، وفي عام 2013، كشف الجنرال جورج كيسي، قائد قوات التحالف في ذلك الوقت، في مؤتمر في أريزونا، عن الدولة التي خططت ونفذت العملية بأكملها.

* تفجير مقام السيدة زينب: التاريخ يعيد نفسه.. مؤخرًا، كشفت الاستخبارات السورية عن إحباط عملية إرهابية خطط لها عناصر تكفيرية لتفجير مقام السيدة زينب (رض) في ريف دمشق. الغرض كان واضحًا: توظيف جماعات ارهابية من اجل إثارة فتنة طائفية جديدة، وإلصاق التهمة بالسنّة، وشيطنة النظام السوري الجديد وإضعافه.

اللافت أن الجماعات الإرهابية، مثل داعش، كانت نشطة قبل عام 2011 وبعده، لكنها لم تستهدف المقامات إلا في توقيتات محددة تخدم أجندات إقليمية. وهنا يظهر دور "داعش” بندقية للإيجار، تعمل لصالح جهات لم تخفِ غضبها بعد خسارتها نفوذها في سوريا، مهددة بشتى الوسائل لإضعاف النظام الجديد.

* لماذا يلجأ الخصوم إلى الشيطنة؟ تلجأ الجهات السياسية أو الدينية إلى شيطنة الآخرين كوسيلة لتحقيق عدة أهداف:

1.تبرير العنف والتصفية: من خلال إلصاق التهم الباطلة بالخصوم لتبرير استهدافهم.

2.تفكيك النسيج الاجتماعي: إذ تعمل الشيطنة على تأجيج الكراهية الطائفية أو القومية.

3.إلهاء الشعوب عن القضايا الكبرى: بتحويل الأنظار إلى صراعات داخلية مفتعلة.

4.توظيف العاطفة الدينية: لإحداث صدمة شعبية تسهل عملية التعبئة الجماهيرية لتحقيق أغراض مشبوهة.

‎٥.إضعاف المجتمعات تمهيدا لاختراقاتها وبسط السيادة عليها.

الدرس المستفاد

إن صناعة الشيطنة ليست إلا أداة بيد الأنظمة أو القوى التي تسعى لتحقيق مصالحها الخاصة، دون اعتبار للكوارث الإنسانية والاجتماعية التي تترتب عليها. ومع تغير الزمن والمعطيات، أصبح من الضروري تحصين المجتمعات ومواجهة هذه المخططات الخبيثة بحكمة ووعي، لأن بقاء الحال من المحال، والعاقل هو من يتعلم من دروس الماضي بدل تكرارها.

صحيفة الشرق القطرية
تفجير المراقد .. لماذا يلجأ الخصوم إلى شيطنة مخالفيهم؟ _طارق الهاشمي