صلاح سلام
أعاد قرار الحكومة اللبنانية الطلب من شركة «توتال إنرجي» استئناف التنقيب عن النفط والغاز في البلوك رقم ٨، والإعداد للترسيم البحري مع قبرص، الأمل بإمكانية تحريك الثروات الطبيعية الراكدة في أعماق البحر، في وقت يقف فيه لبنان على حافة الإفلاس المالي والتراجع الاقتصادي. هذا القرار، وإن جاء متأخراً، يشكل خطوة بالاتجاه الصحيح، لكنه يثير في الوقت نفسه تساؤلات مشروعة حول توقيته ومدى جهوزية الدولة لإدارة هذه الثروة بشفافية ومسؤولية بعيداً عن عقلية المحاصصة التي أجهضت معظم المشاريع التنموية السابقة.
ففي لحظة تتسم بانسداد الأفق السياسي وتباطؤ المساعدات الخارجية نتيجة عدم تنفيذ الإصلاحات المالية والمصرفية، يبدو أن الحكومة أرادت من خلال هذا القرار توجيه رسالة مزدوجة: الأولى إلى الداخل مفادها أن لبنان لم يفقد الأمل بقدراته الذاتية، والثانية إلى الخارج بأنه لا ينتظر المساعدات بل يسعى لاستثمار موارده. غير أن السؤال الجوهري يبقى: هل يمتلك لبنان البنية القانونية والمؤسساتية القادرة على إدارة ثروته النفطية بعيداً عن الهدر والفساد؟
إن التجربة اللبنانية السابقة مع قطاع الكهرباء والمياه وسائر المرافق العامة لا تبعث على الاطمئنان. فغياب الشفافية واحتكار القرار وغياب الرقابة والمساءلة أدت إلى تبديد مليارات الدولارات من دون أي مردود فعلي على البلد. لذلك، فإن استغلال الثروة النفطية يجب أن ينطلق هذه المرة من قواعد مختلفة تماماً، تقوم على إنشاء هيئة مستقلة ذات صلاحيات واضحة، تخضع لرقابة برلمانية وقضائية فعالة، وتعمل بشفافية مطلقة في كل مراحل التلزيم والإنتاج والتسويق.
كما أن إدارة هذه الثروة لا يمكن أن تكون بمعزل عن استراتيجية وطنية شاملة للطاقة، تحدد بوضوح كيفية توزيع العائدات بين الخزينة العامة وصندوق سيادي خاص يضمن حقوق الأجيال القادمة، ويحول دون تكرار تجربة الهدر التي عصفت بمالية الدولة على مدى عقود.
أما من حيث التوقيت، فقد يكون القرار ضرورياً لتأكيد حقوق لبنان في ثرواته البحرية، خصوصاً في ظل سباق دول شرق المتوسط على رسم حدود النفوذ الغازي. لكنه يظل خطوة ناقصة إذا لم تترافق مع استقرار سياسي ومؤسساتي يسمح بجذب الاستثمارات ويضمن تنفيذ العقود ضمن بيئة قانونية موثوقة.
إن لبنان اليوم أمام فرصة تاريخية قد لا تتكرر، فإما أن يحسن إدارة ثروته النفطية كمدخل للنهوض الاقتصادي والمالي، أو يسمح مجدداً لمنطق المحاصصة والزبائنية بابتلاع الحلم قبل أن يتحول إلى واقع. والفرق بين الخيارين، هو فقط في وجود إرادة سياسية صادقة تؤمن بأن الثروة الوطنية ليست ملك الطوائف، بل حق لكل اللبنانيين.
صحيفة اللواء