المرحلة الثانية لحصرية السلاح وخطر المواجهة شمالي الليطاني _


العميد الركن نزار عبد القادر

يقترب لبنان بعد ايام قليلة من نهاية العام والذي تنتهي معه المرحلة الاولى من خطة الجيش لتطبيق «حصرية السلاح» في جنوبي الليطاني، ومن المتوقع ان يقدّم قائد الجيش تقريره عن نهاية هذه المرحلة، وتصوره لبدء المرحلة الثانية، والتي تتضمن وفق الخطة الاساسية، ولما صدر مؤخراً عن رئاسة الحكومة البدء بالعمل على استعادة الدولة لسيادتها الكاملة في شمالي الليطاني، وتحديداً ما بين نهري الليطاني والاولي. وستشكل هذه الخطوة، في رأينا مؤشراً بارزاً عن مدى مصداقية الدولة في السعي لاستعادة سيادتها عن مدى مصداقية الدولة في السعي لاستعادة سيادتها الكاملة، والوفاء بالتزاماتها، رئاسة وحكومة بنزع السلاح غير الشرعي من يد الميليشيات، سواء كانت لبنانية او فلسطينية.
كان رئيس الحكومة نواف سلام قد استبق هذا الاستحقاق بالوعد بانعقاد مجلس الوزراء قريباً لتقييم نتائج المرحلة الاولى في تصريح ادلى به لصحيفة الشرق الاوسط، مؤكداً على ضرورة قيام اسرائيل بخطوات مقابلة تبدأ بوقف اعتداءاتها اليومية، تمهيداً للانسحاب من النقاط التي تحتلها، وبالتالي تسهيل عودة الاهالي الى قراهم، وفق ما طالب به رئيس الجمهورية مؤخراً.
جاء كلام رئيس الحكومة في وقت لا يزال فيه مسؤولو حزب الله متمسكين بمقولة بأن الاتفاق مع اسرائيل يبدأ وينتهي بعملية «حصر السلاح» في جنوبي الليطاني، ولا يشمل المناطق الواقعة شماله، هذا مع التمسك بالسلاح وبدوره في الدفاع عن لبنان ضمن استراتيجية دفاعية وطنية.
يطرح موقف حزب الله من امتداد عملية استعادة السيادة شمالي الليطاني تساؤلات حول ردود فعل الحزب عسكرياص في مواجهة خطوات الجيش للبدء بالمرحلة الثانية التي وعد بها رئيس الحكومة.
من المتوقع ان يتطلب الاعداد لبدء هذه المرحلة بضعة اسابيع من التحضيرات العسكرية واللوجستية، والتي يمكن ان تستعمل سياسياً للدخول في مفاوضاتمع قيادة حزب الله لسحب قدراته العسكرية الى خارج منطقة العمليات بين النهرين، ولا بد هنا من ترقب امكانية تمسك الحزب بمواقفه المعلنة، وبالتالي فتح الباب لاحتمال الاصطدام مع الجيش، وبما ينذر بمواجهة عسكرية بين الطرفين، ووضع البلاد امام خطر الانزلاق الى الفتنة الداخلية.
يبقى نجاح عملية شمال الليطاني معلقاً على السلوكية التي سيعتمدها حزب الله، وخصوصاً لجهة تفادي حصول اي مواجهة مع الجيش او القوى الامنية الاخرى، وخصوصاً لجهة احجامه عن محاولات احتلال مرافق الدولة بما فيها المؤسسات الحكومية.
من المرتقب ان يعمل حزب الله وكعادته بممارسة الضغوط على الحكومة من خلال تنظيم تظاهرات في الضاحية الجنوبية، والتي ستمتد حتماً الى بعض احياء بيروت من خلال تظاهرات مسيّرة بواسطة الدراجات على غرار ما درج على فعله الحزب لمواجهة او رفض سياسات الدولة ومواقفها من نزع سلاحه. ولا بد في هذا السياق من تصوّر تكرار تجمع الروشة في وسط بيروت هذه المرة، وستتوقف نتائج هذا الاستثمار لتحريك الشارع على ردود الفعل التي ستلجأ اليها السلطة، وقدرتها على تحريك قواها الامنية والعسكرية للحد منها او وقفها.
يمكن اعتبار هذه الطروحات سابقة لاوانها وذلك بانتظار معرفة النتائج التي ستستفر عنها اجتماعات نتنياهو مع الرئيس الاميركي ترامب المقررة في فلوريدا في 29 الشهر الجاري.
تحدثت مصادر الاعلام الاسرائيلية عن ان نتنياهو سيعرض على ترامب معلومات استخبارية محدثة تتعلق بايران وحركة حماس وحزب الله، في محاولة لاقناعه بخطورة تسريع ايران في انتاج الصواريخ الباليستية، واستمرار دعمها وتسليحها لاذرعتها العسكرية وخصوصاً حزب الله. وسيعرض نتنياهو على ترامب امكانية تنفيذ ضربة اسرائيلية منفردة ضد ايران. وذلك انطلاقاً من ادراكه ان الولايات المتحدة لا ترغب بالانخراط المباشر في هذه «المغامرة» الجديدة.
اما بخصوص حزب الله فإن نتنياهو سيعرض على ترامب المعلومات الاستخبارية حول اعادة تسليح ايران وتمويلها لحزب الله عبر شبكة من العملاء او عن طريق البحر، وبالتالي الحصول على اذن مسبق بشن عملية جديدة ضد الحزب، في حال تخلف الحكومة اللبنانية عن تنفيذ قرارها بنزع سلاح الحزب.
جاء اعلان رئيس الحكومة عن اقتراب البدء بالمرحلة الثانية من تطبيق حصرية السلاح ليحصّن الموقف اللبناني ويدعم فريقه المفاوض برئاسة السفير السابق سيمون كرم، وبالتالي لتفويت الفرصة على اسرائيل من اتهام لبنان بالتقصير واستعال ذلك كذريعة لمزيد من التصعيد.
ان احجام السلطة في لبنان عن اعلان صريح لنواياها في استكمال خطة نزع سلاح حزب الله كان سيضع البلاد عند نقطة اختناق بين مسارين متناقضين: تهديد اسرائيلي متصاعد بحرب جديدة، مع سعي حثيث من نتنياهو للحصول على موافقة ودعم اميركي في محادثات فلوريدا، وبالتالي استمرار رفض حزب الله بالتعاون لاستكمال نزع سلاحه في المرحلة الثانية والدفع بذلك نحو مواجهة مع الجيش.
صحيح ان ما اعلنه رئيس الحكومة نواف سلام في صحيفة الشرق الاوسط سيضع الجيش امام احتمال حصول مواجهة شبه حتمية مع حزب الله، ولكنه كان قراراً لا بد منه لمنع اسرائيل من رفع مستوى عملياتها ضد لبنان، ويمدّد الى ما لا نهاية مأساة عودة سكان الجنوب الى قراهم.
سيجد الجيش اللبناني نفسه قريباً بين نارين، نار اسرائيل التي تلوّح بحرب مدمرة اذا لم يستكمل الجيش انتشاره شمال الليطاني، وامكانية المواجهة العسكرية مع حزب الله في حال استمرار عدم اعترافه بان قرار وقف النار لا يقتصر فقط على جنوبي النهر.
يدرك حزب الله دون شك خطورة استمراره بالتمسك بهذه اللازمة، والتي ستؤدي حتماً الى انكشاف موقف لبنان سياسياً وعسكرياً تجاه اسرائيل وتجاه المجتمع الدولي، في المقابل فإن على حزب الله ان يدرك بأن اي مواجهة يخوضها مع الجيش ستؤدي الى امكانية عزله داخلياً، وبأن ذلك سيضعه منفرداً في هذه المواجهة، وسيؤدي حتماً الى عزله بالكامل لبنانياً وعربياً ودولياً.
مع اقتراب موعد نهاية العام وانتهاء المرحلة الاولى من حصرية السلاح جنوبي الليطاني فإن لبنان بات يواجه عدداً من الخيارات الصعبة او شبه المستحيلة:
الخيار الاول، الدفع لتنفيذ ما وعد به رئيس الحكومة، بالاندفاع الى تنفيذ تطبيق المرحلة الثانية من حصرية السلاح، وذلك بالرغم من اخطار حدوث مواجهة بين الجيش وحزب الله.
الخيار الثاني، عدم التسرّع ببدء تنفيذ المرحلة الثانية، وذلك بانتظار ان تؤدي مفاوضات الناقورة الى حصول تبدّل في الموقف الاسرائيلي يؤدي الى تراجع العمليات العسكرية وانسحاب جزئي.
الخيار الثالث، وهو الاخطر ان تتراجع الحكومة عن قرار المرحلة الثانية وان يؤدي ذلك الى حرب جديدة مدمرة لكل لبنان.
بات المطلوب من حزب الله مراجعة مواقفه وتسهيل تنفيذ الجيش لمهامه في حصرية السلاح في كل لبنان قبل فوات الأوان.

صحيفة اللواء
المرحلة الثانية لحصرية السلاح وخطر المواجهة شمالي الليطاني _ العميد الركن نزار عبد القادر