الاحتفاظ بالسلاح مشكلة اللاكلفة _ رفيق خوري


رفيق خوري

ليس الاتفاق على وقف الأعمال العدائية مجرّد ترتيب أمني جنوب الليطاني ينفذه الجيش بمساعدة "اليونيفيل" وإشراف لجنة "الميكانیزم" برئاسة جنرال أميركي. ولا هو سوى مرحلة في تطبيق القرار 1701 بكل مندرجاته والذي يعيد التذكير بتطبيق القرار 1559، وكل هذا جزء من "هندسة" جيوسياسية واستراتيجية للمنطقة. لكن هذا ما جرى الالتفاف عليه منذ صدور القرار الذي أوقف حرب 2006، من خلال إقامة بنية عسكرية هائلة لجیش کامل الأوصاف برًّا وجوًّا وبحرًا هو "حزب اللّه".

ولولا "حرب الإسناد" لغزة وتجاوز العدوّ الإسرائيلي الردّ عليها إلى حرب الـ 66 يومًا المدمّرة لاستمرّ لبنان والأمم المتحدة في خداع النفس والادّعاء أن المرحلة الأولى من تطبيق اتفاق 1701 اكتملت وبقيت المرحلة النهائية: الانتقال من وقف الأعمال العدائية إلى وقف النار التام.

اليوم يعود الجيش و "اليونيفيل" إلى ما يشبه مهمة "سيزيف" في الأسطورة الإغريقية، وسط قراءة تأويلية للشيخ نعيم قاسم في الاتفاق والقرار الدولي مختلفة عن القراءة اللبنانية والأميركية والفرنسية للتطبيق "بدءًا بجنوب الليطاني". والكلّ يعرف أن تطبيق القرار جنوب الليطاني وترك السلاح شمال الليطاني لعبة خطرة على لبنان تغلق نافذة الفرصة المفتوحة أمامه، وتخرجه من مفاعيل التحوّلات الهائلة في المنطقة، بصرف النظر عن الخطر الإسرائيلي والادّعاء أن جنوب الليطاني ما خلا من السلاح ولن يتأخر عن التسلّح من جديد. وإذا كانت إسرائيل مستمرّة في الاعتداءات وخرق الاتفاق، فإن الاحتفاظ بالسلاح، ولو من دون فعل، هو خرق لقرار مجلس الوزراء قبل الاتفاق.

والمشهد بالغ التعبير. سلاح "حزب اللّه" صامت من دون أي ردّ على الاعتداءات، وخطابه عاصف. وليس هذا سوى انعكاس لما نحن فيه. فما يبدو "الحزب" واثقًا منه هو أنه لا كلفة على تحدّيه قرار مجلس الوزراء وموقف الأكثرية الشعبية والأكثرية العربية والدولية. والمؤكد في حساباته هو أن الردّ حاليًا علی الاعتداءات الإسرائيلية التي تضرب مواقع له وتؤدي إلى اغتيال کوادره سيؤدي إلى ضربات أشدّ قسوة من الضربات السابقة و "المزيد من التوحش" حسب تعبير الشيخ نعيم قاسم.

ومن الطبيعيّ تفضيل اللاكلفة في مواجهة السلطة على دفع الثمن الباهظ في مواجهة العدوّ. لا بل إن "حزب اللّه" يمارس التنمّر على مجلس الوزراء ويصف قرار سحب السلاح بأنه "خطيئة" يجب التراجع عنها، ويستمرّ في إنكار خطيئة "حرب الإسناد" التي استغلّتها إسرائيل للقضاء على قادته العسكريين وحتى السياسيين وعلى رأسهم الأمين العام السيد حسن نصراللّه وخليفته السيد هاشم صفي الدين وتدمير أسلحته والقرى التي يعمل فيها وتهجير بیئته وإلحاق ما هو أكثر من الدمار بلبنان.

ومن السهل على "الحزب" تكرار القول إنه لا نقاش في سحب السلاح، وعلى السلطة تكرار القول إنه لا نقاش في قرار السحب. لكن من الصعب الخروج من الستاتيكو أو المأزق من دون أن يكون لرفض تسليم السلاح إلى الجيش ثمن أقلّه سياسي. فكيف إذا بدت السلطة عاجزة عن أي فعل حيال القول إن السلاح والقرض الحسن "خطان أحمران" لا بدّ من الدفاع عنهما بالسلاح؟ وكيف إذا كان "التراجع عن الخطأ قيادة" کما قال نیلسون مانديلا؟

تروتسكي لم يبالغ في القول: "قد لا تكون مهتمًا بالحرب لكن الحرب مهتمة بك.

صحيفة نداء الوطن
الاحتفاظ بالسلاح مشكلة اللاكلفة _ رفيق خوري