استهداف سلام: مراكمة العداء للدولة _ أحمد الأيوبي


أحمد الأيوبي

لم يشفع تاريخ نواف سلام العروبي ولا مواقفه في الأمم المتحدة ولا تصديه للجرائم الإسرائيلية في أعلى مواقع العدالة الدولية.. عند قيادة "حزب الله" التي أفلتت زعرانها في الملاعب والشوارع وفي الفضاء الإلكتروني لاستهدافه وشتمه وتخوينه والتطاول على مقام رئاسة الوزراء، واستخدام أقذر الأساليب في التعامل مع مواقف صبر عليها نواف سلام وأخّر النطق بها مراعاة لهذه البيئة، المسيَّرة من حزبٍ قرّر الاستمرار في اختطاف قرار البلد وأمنه وسلامه واستقراره ومستقبله بلا رادعٍ من وطنية أو وازعٍ من أخلاق.

لم تغيّر الحرب الهائلة التي تعرّض لها "حزب الله" شيئاً لا في سلوكه ولا في توجهاته ولا في تشبيحه على اللبنانيين، فهو يدأب على بعث الرسائل إليهم أنّه غير قابلٍ للتغيير وليس صالحاً للاندماج في الحياة الوطنية وأنّه وسلاحه صنوان لا ينفصمان، وأنّ اعتداءاته المعنوية والعملية على كلّ من يعارضه مستمرّة بلا هوادة.

قطع الأمين العام لـ "الحزب" نعيم قاسم الطريق على الحوار مع الرئيس جوزاف عون عندما قال: لا يطلب أحدٌ من "الحزب" شيئاً حتى تحقيق الانسحاب الإسرائيلي من النقاط المحتلة في الجنوب، بفضل مغامرة "الحزب" الأخيرة، وهذا يعني إغلاق باب التفاوض أو الحوار بشكل صريح، وهذا مؤشِّرٌ إضافيّ على مراكمة السلبيات في العلاقة مع الرئيس عون، ولو أنّ "الحزب" يحاول وضع أسافين التفرقة بين رئيسي الجمهورية والحكومة.

إنّ الهجوم العنيف من قبل "حزب الله" على الرئيس نواف سلام والتنكّر لكلّ تاريخه في دعم لبنان وفلسطين في المنابر الدولية، هو مؤشِّرٌ على أنّ "الحزب" لا يعرف للحوار طريقاً ولا للتفاهم سبيلاً، وأنّه يريد أن يستخدم التهديد والوعيد والتخوين لشراء الوقت بانتظار ما سيحصل في المفاوضات الإيرانية الأميركية، بالتوازي مع الرهان على قصر النفس الأميركي وتوقع تراجع إدارة دونالد ترامب عن مواقفها الحاسمة ضدّه، ومحاولة استغلال هذه الفسحة الزمنية لإعادة بناء ما يمكن بناؤه من قدرات لم تعد تهدِّد الكيان الإسرائيلي بالتأكيد، بل يراد استخدامها لابتزاز اللبنانيين في الداخل.

رأى لبنانيون كثر أنّ الرئيس نواف سلام تأخـّر في إطلاق مواقفه الأخيرة من "حزب الله" وأنّه هادن "الحزب" بشكل مبالَغٍ فيه، وأنّه كان ينبغي اتخاذ خطوات أكثر صرامة في تصليب موقف الدولة من مسألة سلاح "الحزب"، ورغم ذلك لم يكن "الحزب" يعطي أيّ إيجابية لهذا الموقف المتأني للرئيس سلام، بل إنّه على طول الخط كان يسعى لإشاعة فكرة انقسام السلطة والتباين بين الرئيسين عون وسلام، وفي كلّ الأحوال، فإنّ الدولة اللبنانية تؤخّر المواجهة السياسية المحتومة مع "حزب الله" المستمرّ في التصعيد، وكان أحد أشكال تصعيده ما قاله النائب حسن فضل الله إنّه إذا استمرت الدولة في تجاهلها، فإنه لن يبقى مجال أمام الناس إلا أن يفتشوا عن الخيارات المناسبة للدفاع عن حياتهم ووجودهم"، وهذه إشارة صدامٍ إضافية.

جاءت مواقف الرئيس نواف سلام لتعبِّر عن نفاد صبر اللبنانيين من كلّ هذه العجرفة التي تتعامل فيها ما تبقى من قيادة "حزب الله" مع الدولة ومع العهد والحكومة، فلا الحوار والمرونة أوصلا "الحزب" إلى النزول عن الشجرة، ولا التأنّي وإفساح المجال لتمرير المرحلة الانتقالية أدّى إلى إقرار "الحزب" بحتمية حصرية السلاح بيد الدولة، وكلّ هذا يضيِّق مساحة العمل السياسي ويجعل الحوار أشبه بالحوار من جانبٍ واحد.

ما لا يمكن نسيانه هو أنّ الأغلبية من اللبنانيين نالها الأذى المباشر وغير المباشر من ارتكابات "حزب الله"، وهذه الأغلبية تعبِّر عن خيبتها أحياناً وغضباً أحياناً أخرى من المراعاة المبالغ فيها لـ"الحزب" خاصة عندما يهدِّد بالحرب الأهلية عند تناول موضوع السلاح.. أما الآن وقد تعرّض الرئيسان عون وسلام لحملات التخوين بالتساوي، فإنّ الطريق إلى تحقيق حصرية السلاح بيد الدولة وإنجاز الإصلاحات لا يمكن أن يتحقّق بالاستمرار على هذا المستوى من التعامل مع "الحزب"، فالتطورات أسقطت جزءاً كبيراً من هيمنته على الدولة، ويبقى تحريرها مما تبقى من سطوة السلاح غير الشرعي.

صحيفة نداء الوطن
استهداف سلام: مراكمة العداء للدولة _ أحمد الأيوبي